- يعتبر الثقب الاسود أحد أكثر الاجرام الفضائية اثارةً و غومضًا، وعلى الرغم من التطور التكنولوجي العظيم الذي وصل اليه البشر في مجال استكشاف الفضاء ودراسة مكوناته، الا ان المعلومات التي نعرفها عن الثقوب السوداء تعتبر قليلة نسبيًا، ولاتزال هذه الاجرام لغزًا محيرًا للعلماء. في هذا المقال ستتعرف على هذه الاجرام بطريقة علمية ومفصلة.
ما هو الثقب الاسود؟ التعريف، الحقائق والنظريات
تنبأ ألبرت أينشتاين بوجود الثقوب السوداء لأول مرة في عام 1916، مع نظريته العامة في النسبية، بينما ظهر مصطلح “الثقب الاسود” لأول مرة على يد عالم الفلك الأمريكي جون ويلر بعد عدة سنوات من تنبؤ اينشتاين، وتحديدًا في عام 1967 باعتباره أحد الأجسام الفلكية النظرية فقط حيث لم يتم اكتشاف أي ثقب أسود مادي في الفضاء حتى سنة 1971.
بعد ذلك، في عام 2019، أصدر تعاون Event Horizon Telescope (EHT) أول صورة تم التقاطها على الإطلاق لثقب أسود حيث كان هذا الثقب الاسود ظاهرًا في وسط المجرة M87 بينما كان التلسكوب يراقب المنطقة و يرصد حقيقة عدم إمكانية أي شيء على الهرب من الثقب الاسود. فتحت هذه الصورة مجالًا جديدًا تمامًا للبحث في الثقوب السوداء ومعرفة المزيد عنها، ومن خلال الدراسات المكثفة، عرف علماء الفلك كيف يبدو الثقب الاسود، واستطاعوا تحديد ثلاثة أنواع من الثقوب السوداء: الثقوب السوداء النجمية، الثقوب السوداء المتوسطة، والثقوب السوداء الهائلة.
أنواع من الثقوب السوداء
الثقوب السوداء النجمية – صغيرة ولكنها مميتة
في مرحلة موت النجم، و تحديدًا عندما تتم عملية حرق آخر ما تبقى من وقود فيه، ينهار الجسم و يسقط على نفسه. بالنسبة للنجوم الصغيرة من حيث الحجم (تلك التي تصل كتلتها إلى حوالي ثلاثة أضعاف كتلة الشمس)، يصبح اللب الجديد في هذه المرحلة نجمًا نيوترونيًا أو قزمًا أبيض. ولكن عندما ينهار نجم أكبر، يستمر في الانضغاط ويخلق ما يسمى بالثقب الاسود النجمي.
تكون الثقوب السوداء المتكونة من انهيار النجوم الفردية صغيرة نسبيًا، لكنها كثيفة بشكل لا يصدق، فكتلة واحدة من هذه الأجسام تعادل ثلاثة أضعاف كتلة الشمس ولكن قطرها يعادل قطر مدينة كبيرة في أحسن الأحوال. هذا التركيز الهائل في الكتلة يؤدي إلى قدر لا يصدق من قوة الجاذبية التي تسحب أي شيء حول جسم الثقب الاسود، فتلتهم الثقوب السوداء النجمية الغبار والغاز من المجرات المحيطة بها، مما يحافظ على نموها في الحجم.
حسب دراسة أجراها باحثو UV Irvine في فوربس، “تضم مجرة درب التبانة ما يقدر بمئة مليون ثقب أسود”.
الثقوب السوداء الهائلة – العمالقة
تملأ الثقوب السوداء الصغيرة الكون، لكن الثقوب السوداء الهائلة، وهم المسيطرون. يبلغ حجمها ملايين أو حتى بلايين كتلة الشمس، لكن قطرها مماثل لقطر الشمس على أفضل الأحوال. يُعتقد أن مثل هذه الثقوب السوداء تقع في مركز كل مجرة تقريبًا، بما فيها مجرتنا (درب التبانة).
بالرغم من الأبحاث المستمرة على هذه الثقوب السوداء الهائلة، لم يستطع العلماء تفسير الطريقة التي تتولد بها مثل هذه الثوب على وجه التحديد. بمجرد تشكل هذه الثقوب العملاقة، فإنها تبتلع كل كتلة الغبار والغاز من حولها، وهي مادة تتواجد بكثرة في مراكز المجرات، مما يسمح لها بالنمو إلى أحجام أكبر.
قد تكون الثقوب السوداء الهائلة ناتجة عن مئات أو آلاف الثقوب السوداء الصغيرة التي تندمج معًا، حيث تنهار جميعها وتتراكم بسرعة في كتلة عملاقة واحدة. وفي نظرية أخرى، يمكن أن تنشأ الثقوب السوداء الهائلة من اندماج مجموعات كبيرة من المادة المظلمة في الكون، وهي مادة يمكننا ملاحظة تأثيرها القوي في جذب الأجسام الأخرى من حولها؛ ولكننا لا نعرف ماهية المادة المظلمة لأنها لا تشع ضوءًا ولا يمكن ملاحظتها بشكل مباشر.
الثقوب السوداء المتوسطة – عالقة في المنتصف
اعتقد العلماء ذات مرة أن الثقوب السوداء جاءت بأحجام صغيرة وكبيرة فقط، لكن الأبحاث الحديثة كشفت عن احتمال وجود ثقوب سوداء متوسطة الحجم حيث يمكن أن تتكون مثل هذه الأجسام عندما تصطدم النجوم ببعضها لتنتج سلسلة من التفاعلات العنيفة ينتج عنها تشكل ثقب أسود متوسط. يمكن أن تتجمع العديد من هذه الثقوب التي تتكون في نفس المنطقة في نهاية المطاف معًا في مركز مجرة معينة مكونة ثقبًا أسود هائلًا.
في عام 2014، اكتشف علماء الفلك ما بدا أنه ثقب أسود متوسط الكتلة -سمي ب IMBHs- في ذراع مجرة حلزونية. وفي عام 2021، استغل علماء الفلك أشعة غاما للكشف عن أحدها.
قال المؤلف المشارك للدراسة تيم روبرتس، من جامعة دورهام في المملكة المتحدة أن علماء الفلك كانوا يبحثون بجد عن هذه الثقوب السوداء متوسطة الحجم لأنهم عثروا دلالات على وجودها في السابق حيث قادتهم هذه الدلالات إلى العثور على الثقب الاسود IMBHs في نهاية المطاف.
اقترح بحث جديد نشر في عام 2018، أن هذه الثقوب المتوسطة قد توجد في قلب المجرات القزمة (أو المجرات الصغيرة جدًا) حيث كشفت دراسات لعشرة من هذه المجرات (خمسة منها لم تكن معروفة سابقًا للعلم من قبل) عن نشاط الأشعة السينية -و هو أمر شائع في الثقوب السوداء- مما يشير إلى وجود ثقوب سوداء تتكون من 36000 إلى 316000 كتلة شمسية. جاءت هذه المعلومات من مسح سلون الرقمي للسماء، الذي يفحص حوالي مليون مجرة و يمكنه اكتشاف نوع الضوء الذي غالبًا ما يتم رصده قادمًا من الثقوب السوداء التي تلتقط الحطام القريب.
كيف تبدو الثقوب السوداء؟
للثقوب السوداء ثلاث “طبقات”: أفق الحدث الخارجي، أفق الحدث الداخلي، و طبقة المتفرد.
أفق الحدث الخارجي للثقب الاسود هو الحدود حول فم الثقب الاسود، والتي لا يمكن للضوء أن يفلت منها. بمجرد عبور أي جسم لأفق الحدث فإنه لن يتمكن من مغادرته ابدًا. وتكون الجاذبية ثابتة وقوية جدًا عبر أفق الحدث.
تُعرف المنطقة الداخلية للثقب الاسود بتفردها، فهي مركز كتلة الثقب الاسود.
لا يستطيع العلماء رؤية الثقوب السوداء بنفس الطريقة التي يمكنهم بها رؤية النجوم وباقي الأجرام الأخرى في الفضاء. بدلاً من ذلك، يعتمد علماء الفلك على اكتشاف الإشعاع الذي تنبعث من الثقوب السوداء أثناء سحب الغاز والغبار الكوني الكثيفة. لكن الثقوب السوداء الهائلة، الموجودة في وسط المجرة، قد تكون محاطة بطبقات كثيفة من الغبار الكوني والغازات مما يمكن أن يمنع رصد أي انبعاثات شعاعية من هذه الثقوب.
في بعض الأحيان، عندما تنجذب المادة نحو الثقب الاسود، فإنها ترتد عن أفق الحدث وتندفع نحو الخارج، بدلاً من أن تُسحب في الفراغ لأسباب غير معروفة وتتولد نفاثات ساطعة من المواد التي تتحرك بسرعات عالية يمكن رؤيتها من مسافات بعيدة.
تسليط الضوء على الثقوب السوداء الثنائية
في عام 2015، اكتشف علماء الفلك موجات الجاذبية الناتجة عن اندماج الثقوب السوداء النجمية باستخدام مرصد مقياس التداخل الليزري لموجات الجاذبية (LIGO) ووفرت ملاحظات LIGO أيضًا رؤى حول الاتجاه الذي يدور فيه الثقب الاسود.
عندما يدور ثقبان أسودان حول بعضهما البعض، يمكن أن يدورا في نفس الاتجاه أو في اتجاهات متعاكسة.
يوجد نوعان من النظريات التي تشرح كيفية تشكل الثقوب السوداء الثنائية. الأول يشير إلى أن الثقبين الاسودين تكونا معًا من نجمين ولدا معًا وتوفيا بشكل متفجر في نفس الوقت تقريبًا، حيث كان للنجوم المترافقة هذه نفس اتجاه الدوران و بذلك كونا ثقبين الاسودين بعد انفجارهما.
تحت النموذج الثاني، تغرق الثقوب السوداء في مركزي كتلة متقاربين عندما تدور النجوم المكونة لهما في اتجاهات متعاكسة، و بالتالي يدور كل من هذين الثقبين في اتجاهات دوران متعاكسة قريبة من ببعضهم البعض. توفر ملاحظات ليجو للثقوب السوداء المصاحبة ذات اتجاهات الدوران المختلفة دليلاً أقوى على نظرية تكوين الثقوب السوداء الثنائية هذه.
قال كيتا كاوابي، وهو عالم ليجو من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في مرصد ليجو هانفورد: “لقد بدأنا بجمع إحصاءات حقيقية عن أنظمة الثقوب السوداء الثنائية”. “هذا مثير للاهتمام لأن بعض نماذج التكوين الثنائي للثقب الاسود مفضلة إلى حد ما على النماذج الأخرى، مما سيمكننا من تضييق الاحتمالات و فهم هذا التكوين بشكل أفضل في المستقبل.”
حقائق غريبة عن الثقوب السوداء
- اقترحت النظريات منذ فترة طويلة أنه في حال وقوعك داخل ثقب أسود، ستقوم الجاذبية بتمديدك مثل السباغيتي و أنك ستموت قبل أن تصل إلى طبقة المتفرد. لكن دراسة نُشرت في مجلة Nature عام 2012 اقترحت أن التأثيرات الكمّية قد تجعل أفق الحدث يتصرف مثل جدار ناري، والذي من شأنه أن يحرقك حتى الموت على الفور.
- الثقوب السوداء لا تقوم بامتصاص الأجسام. يحدث الامتصاص عن طريق سحب شيء ما في الفراغ، وهو ما لا يحدثه الثقب الاسود بالتأكيد. عوضًا عن ذلك، تسقط الأشياء فيها تمامًا كما تسقط باتجاه أي شيء ذو جاذبية، مثل الأرض.
- أول جسم اعتُبر ثقبًا أسودًا هو Cygnus X-1. كان Cygnus X-1 موضوع رهان ودي عام 1974 بين ستيفن هوكينغ وزميله الفيزيائي كيب ثورن، حيث راهن هوكينغ على أن الجسم لم يكن ثقبًا أسود. لكن في عام 1990، اعترف هوكينغ بالهزيمة.
- قد تكون الثقوب السوداء الصغيرة قد تكونت مباشرة بعد الانفجار العظيم بسبب توسع الفضاء السريع الذي تسبب في ضغط بعض المناطق من الكون لتشكِل ثقوب سوداء صغيرة كثيفة.
- يمكن أن يتمزق النجم إذا مر على مسافة قريبة جدًا من ثقب أسود.
- يقدر علماء الفلك أن مجرة درب التبانة بها ما بين 10 ملايين إلى مليار ثقب أسود نجمي، بكتل تقارب ثلاثة أضعاف كتلة الشمس.
- لا تزال الثقوب السوداء مصدرًا رائعًا لكتب وأفلام الخيال العلمي و من أهم هذه الأفلام “Interstellar”.
الخاتمة
كل المعلومات التي نعرفها عن الثقوب السوداء والتي تعرفت على كثير منها في هذا المقال، تعتبر معلومات قليلة وغير كافية لفهم الثقب الاسود بشكل دقيق وعلمي. لكن مع التطور السريع في علم الفلك وسعي البشر المستمر نحو استكشاف الفضاء، من الممكن القول اننا سنعرف أكثر من هذه المعلومات بكثير مع مرور السنوات القادمة.
يعتقد الكثيرون ان الثقوب السوداء ستكشف الستار عن لغز السفر عبر الزمن ولكن هذا الاعتقاد لايزال حلمًا بعيد التحقيق في الوقت الحالي. هل سنتمكن من السفر عبر الزمن في المستقبل؟ أخبرنا برأيك في التعليقات.
إذا اعجبك هذا المقال لا تنسى أن تشاركه مع اصدقائك على فيسبوك، انستجرام وتويتر.